بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد إن من أفضل نعم الله تعالي علي الإنسان هي نعمة الهدوء وراحة البال والطمانينة والسكينة، كما أن من أسوء الظروف التي يمر بها الإنسان هي الإضطرابات النفسية، ويختل التوازن النفسي عند المضطرب عادة لدى أقل معارضة، ويكفي أن يخيب أمله مهما كان ضئيلا في أمر بسيط، وكان يتوقع حدوثه ليذهب به اليأس كل مذهب ويطير به الخيال إلى ما لا صلة له بالواقع ولا بالحياة ولا بالمجتمع، وإذا أصيب المضطرب بكارثة حقيقية يفقد القليل مما عنده من برودة الدم.
ويرد على المصيبة فورا دون تأمل أو إستيضاح، ويضيع صفاء ذهنه ويزيد الحالة خطورة والموقف تعقدا أكثر مما يخفف من سوء نتائجه، ورغم أن المضطرب يميل بطبيعته إلى النقد المنهجي ويعترض على أكثر ما يرد من أفكار تراه ينساق دون إحتياط مع كل عرض هادئ من شأنه يطامن، بمعنى من المعاني، وإضطراب نفسه ويدغدغ رغبته الدفينة في التهرب من أفكاره، فالكلمة الناعمة والخطاب الرقيق والبيان الفصيح وما أشبه ذلك ورادفه يحد من معارضته حتى وإن كان فيها على صواب، ويشل حماسته ويقضي على منابع النشاط في ذهنه، فيعطي رصاه دون تفكير ويقرر تقريرات لا يلبث أن يندم عليها فيما بعد، أي عندما يعيد نظره فيها بهدوء وبرود، وليس من المضطربين من يمكن أن يكون ذا شخصية ساحرة، أي موهوبا في التأثير والنفوذ.
وإن كان فيهم أصحاب كفاءات وقيم رفيعة، فالمضطرب مهما علا منصبه وتعددت مواهبه لا يحظى بما يستحق ولا ينال التقدير اللازم لأنه لا يخلق بطبيعة إضطرابه مناخا منسجما ولا يفكر في وزن كلماته ولا في الإحتفاظ بمزاج معتدل سواء في حياته العامة أو في حياته المنزلية، فعليك أخي الكريم إذا كنت تعرف الفرق بين هذين النموذجين وهما الهادئ والمضطرب، فعليك أن تجعل الإنسان الهادئ قدوة تحتذي ومثالا يتبع والثاني وهو المضطرب أن تجعله أداة تحذير وتجنب وإحتياط، فإذا لحظت أنك أقرب إلى المضطرب، فثق أنك تصل بالمران والإجتهاد والمثابرة إلى مساواة الهادئ بسرعة، بل قد تفوقه في شمائلك التي تستحدثها وجهودك التي تبدلها، فالعيب يولد المزية، وهذا قانون التكامل عندما يراد الكمال فليس في الدنيا أجرأ ممن كان جبانا.

ولا أصلب ممن كان مائعا ولا أهدأ من كان مضطربا، ولتكن أولى خطواتك إذن أن تضع نصب عينيك فكرة واحدة، وإهتماما واحدا هو تحصيل الصلابة والهدوء، ثم تخضع جميع أعمالك وتصرفاتك ومشروعاتك وأفكارك لتطبيق القواعد الخمس التالية والأخذ بها وهي التوازن الصحي، ومراقبة الإحساس التي تفضي إلى الثبات في وجه الإنفعالات والوساوس والأخيلة والمقلقات والمزعجات من كل جنس ولون، فلا تستنزلك من بعد عن هدوئك ضجة ولا فتنة ولا متعة ولا إغراء ولا إرهاب، وأيضا التكلم من غير عجلة، فإن من يتدبر وجوه العواقب ويعرف أثر كل كلمة يتفوه بها ويحسب لكلامه وزنا، يبطئ في الكلام ويؤثر السكوت، ذلك بأن الثرثرة والجدل والإعتراض وما رادف أشياء تشبه الضجة أو هي الضجة النفسية بعينها، فلا تسترسل معها.
ثم لا تستجب لها إن هي راودتك عن هدوئك، وكما عليك أن تفتش عن عشرة هادئين وادعين وأماكن بعيدة عن الصخب، ثم نظم أعمالك اليومية وفق منهج تسير عليه بعد أن تفكر فيه تفكيرا عميقا شاملا، ولا تسمح لنفسك أن تحيد عنه قيد شعرة، بحيث يجري وقتك في مناخ مطمئن، وإذا حدث غير المنتظر، تستطيع أن تدفع آثاره في زعزعة هدوئك بتوقعه مع الزمن، وتلافي نتائجه، إلى أن ينتظم كل مالا تنتظر، في مناهجك اليومية والشهرية والسنوية، وقرر الآن وتأمل جمال الهدف الذي تسعى إليه، وإستلهمه الضياء والعزيمة، وأبدأ في التنفيذ ولا تسأل عن الصعاب والعراقيل مهما عظمت أو إشتدت، ولا تفكر بغيرك فهذا ما يخصك شخصيا ولا يخصه وحطم القيود وتجاوز السدود، وترقب النجاح، وسر إلى الأمام نحو إحترام نفسك ونيل حقوقك وإرتفاع مكانتك.
أضف تعليق