بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي شمل بخلقه ورحمته ورزقه القريب والبعيد، سبحانه وتعالي "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين" وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله هو أفضل النبيين والمؤيد بالآيات البينات والحجج الواضحات والبراهين صلى اله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد اعلموا يرحمكم الله أن توقير الأبوين عموما، وعند الكبر خصوصا، من أعظم القُرب التي يتقرب بها إلى الله تعالي، وأجلّ الوسائل للفوز في الدارين، وأعظم أسباب تفريج الكروب، وتيسير الأمور، ويشهد لذلك قصة النفر الثلاثة الذين أووا إلى غار في جبل، فدخلوه، فإنحدرت صخرة من الجبل، فسدت عليهم الغار، فتوسّل كل واحد منهم بصالح أعماله.

فكان مما توسل به أحدهم، أن قال "اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، أي لا أقدم عليهما أحدا فنأى بي في طلب شيء يوما أي تأخرت يوما في عملي فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما، فوجدتهما نائمين، وكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا، فلبثت والقدح على يدي، أنتظر استيقاظهما، حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك إبتغاء وجهك، ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون، ولقد تضافرت الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الخير مع الأكابر، وأن البركة معهم، وأن المؤمن لا يزاد في عمره إلا كان خيرا له، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يدعو به من قبل أن يأتيه.
إنه إذا مات أحدكم إنقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا" وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "خياركم أطولكم أعمارا، وأحسنكم أعمالا" وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال "الخير مع أكابركم" وفي رواية "البركة مع أكابركم " وإذا إحترمنا الكبير، وراعينا حقوقه، يسّر الله تعالى لنا في كبرنا من يرعى حقوقنا، جزاء من جنس إحساننا، وسيأتي علينا يوم نكون فيه كبراء مسنين، ضعفاء الأبدان والحواس، نحتاج ممن حولنا أن يرعوا حقوقنا، فإن جزاء الإحسان الإحسان، والإساءة جزاؤها الإساءة، ومعني قوله صلي الله عليه وسلم في الحديث "ويرحم صغيرنا" أي يرفق به، ويشفق عليه لعجزه، وبراءته من قبائح الأعمال، فإذا حصل ذلك، أشبعت حاجة الطفل الغريزية إلى الحب والعطف، والحنان والرعاية.
وإنتقلت هذه الصفات منه إلى الآخرين، كبارا كانوا أو صغارا، والرحمة بالصغار تكون بتقبيلهم ومعانقتهم، والحنوّ عليهم، والتألم لألمهم، والبكاء عند موتهم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند موت ولده إبراهيم، فقال له عبدالرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله؟ فقال "يا بن عوف، إنها رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" وجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال " تقبّلون الصبيان فما نقبّلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أوا أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة " وقال ابن بطال "رحمة الولد الصغير ومعانقته وتقبيله، والرفق به، من الأعمال التي يرضاها الله، ويجازي عليها، ألا ترى قوله عليه السلام للأقرع بن حابس حين ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم أن له عشرة من الولد ما قبل منهم أحدا "من لا يَرحم لا يُرحم"